الأوقاف والشفافية
علي الجحلي
أولى نصائح رئيسي عندما عينت مديراً لإدارة هي: "انتبه أن تتسلم الأموال أو تتعامل معها، فهي مهلكة سواء عدلت في التعامل معها أم لم تعدل". لعلي أوجِّه تلك النصيحة لأغلب من نراهم اليوم يقعون في خطأ الثقة المفرطة بالذات أو بحكم الآخرين.
جُبِلت المجتمعات البشرية على حب الذات. يسيطر هذا المفهوم على البعض فيجعلهم يحبون ذواتهم أكثر من اللازم، فيبحثون عن الظهور على حساب الآخر بداية بتسقط أخطائه، وانتهاءً بتلفيق تهم لا أساس لها.
يحكي أحدهم عن أسلوبه في الإدارة فيقول أعتمدُ مبدأ "تطوير الموقف". عندما يأتيني الخبر لا أهمله، بل أدفع نحو معرفة المزيد عنه بالسؤال والبحث والاستقصاء، لأنني في النهاية سأكتشف أن هناك الكثير مما لم أعلمه عندما أتاني الخبر في البداية.
حتى تزيد غرابة الوضع عليك عزيزي القارئ أقول إن هذه النظرية أصبحت قاعدة إدارية تعتمدها كل الشركات التي تهدف إلى التقدم والتفوق على منافسيها. ظهرت نظرية تسمى Five Ws. هذه النظرية توجه خمسة أسئلة هي "ماذا ــ مَن ــ متى ــ أين ــ لماذا"، وأضاف إليها البعض "كيف".
نستفيد هنا أن ما نفعله سيقع تحت طائلة الأسئلة التي قد تفسر خطأً، وبالتالي تضعنا في خانة التجريم إن لم نستطع أن نفسر ما نقول ونفعل أو ما لم نقل ونفعل.
نصيحة أوجهها للجميع، وأخص بها العاملين في مجال المال العام، والخدمة العامة ومن تقع تحت أيديهم مصالح الناس؛ ما دمت تعمل بالطريقة الصحيحة وحسب الأنظمة، ودون أن تفضل مصلحتك الشخصية على المصلحة العامة، فأنت مطالب بالإثباتات وليس بالنيات.
أعلم أن أغلب المسؤولين هم من أصحاب الذمم السليمة والسرائر النقية وهو ما أهَّلهم للثقة التي أوصلتهم حيث هم، لكن ما نراه كل يوم من شكاوى وإشكالات وقضايا فساد يوحي بغير ذلك.
هذا ما يمكن أن يستشفه من يقرأ خبر مطالبة مجلس الشورى وزارة الأوقاف لمدة ثماني سنوات بالشفافية حيال أموال الأوقاف، وهي مبالغ خيالية في دولة كالمملكة تضم أقدس بقاع الأرض، وعاش فيها أقوام منحوا ويمنحون عقاراتهم وثرواتهم لمصلحة الوقف سواء في الحرمين الشريفين أو خارجهما.
لا أفهم لماذا لا تضع الوزارة حداً لتلك الأسئلة بشفافية تسكت كل الألسنة؟
المصدر:
الأقتصادية